يخرج المسؤول من المنصب إلى أحد طريقين: إما أن ينثر الناس في وجهه الورود أو يصبوا عليه اللعنات أينما حل، وقد عرفت الكثيرين من أولئك الملعونين شعبيا بحكم عملي بالصحافة؛ فيما صادفت القليلين الذين نثرت الورود على وجوههم، في المقدمة منهم الوزير الفنان فاروق حسني، الذي نجح بكاريزما وإخلاص للمنصب في أن يغرس شتلات ثقافية ذات جذور عميقة وثابتة ومثمرة في أرجاء مصر، هذه البذور لا يزال كثير منها مورقا وفواحا.
كان الصحفيون ـ وأنا منهم ـ يلهثون خلف الأنشطة والفعاليات الثقافية الكبيرة طوال العام، والذين بادروا باتهامه بأنه وزير الفنون التشكيلية، سرعان ما تراجعوا واعتذروا عن قصر نظرهم، فقد كنا معه في حالة سفر دائم إلى محافظات وربوع وقرى مصر لافتتاح قصور ثقافة جديدة أو متابعة مهرجانات الأقاليم، وقد تألمت وأنا أتابع تصريحات بإغلاق مراكز ثقافية في محافظات مصر قدر عددها ب 130 مركزا ثقافيا على وشك أن تتلاشى أنوارها، وهو ما يحتاج استجوابا برلمانيا عاجلا..
فاروق حسني ـ مزودا بكل الألقاب ـ لم يكن وزير الفن التشكيلي، ولكن ازدهر في عهده وكثرت القاعات وتلألأت الأنوار، وأبرز ما يميز الفنان فاروق حسني كمسؤول، هو سعة أفقه، خيال الفنان، الذي جاء بمهرجان غير مسبوق هو مهرجان المسرح التجريبي الذي صنع حالة من التنوع في مسيرة المسرح المصري الكلاسيكي نفسه، خيال وأحلام الوزير فاروق حسني هي التي زرعت نبتة المتحف المصري الكبير والذي تأكد وجوده وهو خارج المنصب، فاروق حسني الناجح في موهبته كفنان تشكيلي من أهم نجوم الفن التجريدي، هو صاحب المشروعات الكبرى والأحلام غير المسبوقة التي حققها بعناد وصبر وحروب وانتصارات، كنت واحدا من شهودها ومطلعا على كواليسها، وأشهد أنه لو جاء فاروق حسني في فترة غير التي وجد فيها له منافسون وحاسدون وحاقدون من عواجيز الفرح؛ لتفوقت فترته على زمن الإزدهار الثقافي في الستينيات التي شهدت أيضا المشروعات الكبرى في السينما والمتاحف والصوت والضوء التي أرساها الوزير التقدمي ثروت عكاشة، وفاروق حسني سيضع التاريخ اسمه بأحرف من نور في تاريخ العمل الوطني العام وسيتحول يوما ما إلى نوستالجيا نتغنى بها.
هذا المقال ليس من قبيل التغني بفترة زمنية ما، ولكنه دعوة صادقة ومخلصة أن نحافظ على ما تحقق، وأصبح بين أيدينا من إنجاز تحقق عبر السنين وبجهد المخلصين الرواد.. هذا إذا أردنا أن تنثر الورود في وجوه حراس العمل الثقافي، وليهنأ فاروق حسني باسمه وسيرته ومسيرته التي حفرها بصدق ووطنية وشجاعة، نتذكرها له بكل الفخر والامتنان .
-----------------------
بقلم: طاهر البهي